فصل: مسألة ارتهن حائطا فأصابت الريح نخلا فطرحتها فأراد صاحب الأصل بيع الخشب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الغلام أو الدار المرهونة توضع على يد رجل أيكريها:

وسألت مالكا عن الرهن: الدار، أو الغلام يؤاجره، أو يكري الدار الذي وضع على يديه الرهن، أم المرتهن، أم صاحب الدار، أو الغلام؟ قال ليس لصاحب الدار أن يكريها، ولا يؤاجر غلامه، والمرتهن أولى بإكرائها من الذي وضعت على يديه ومن صاحبها، وكيف حيازة الرهن أن يكري المرتهن الدار أو الغلام، أو الذي وضعت على يديه؟ وإلا لم تعرف له حيازة حتى يرى يكريها ويرهنه ديون أخرى، فلا أرى لصاحبها أن يكريها، والحيازة أن يكريها المرتهن، أو الذي وضعت على يديه، إلا أنهم يجمعون له الغلة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، لا اختلاف فيها ولا إشكال في شيء من معانيها، فلا وجه للقول فيها. وبالله التوفيق.

.مسألة رهن رهنا ووضعه على يدي رجل واشترط أنه حميل بما نقص:

وسئل مالك عن رجل رهن رهنا ووضعه على يدي رجل، فاشترط الذي وضع على يديه أنه حميل بما نقص رهنه، فحل الحق، فأمره السلطان أن يبيع الدار في حقه، فبيعت فنقص من حقها وأمره أن توقف بعد البيع شهرين، يطلب بها الزيادة، فقال صاحب الحق للذي تحمل له يما نقص من الرهن: قد بيعت الدار، وليس فيها وفاء، فاقضني ما نقص، وقال الحميل: قد ضرب لي أجل شهرين لطلب الزيادة في الدار، فإن وجدت الزيادة وإلا غرمت إليك، وأبى صاحب الحق. قال: أرى ذلك للذي وضع الرهن على يديه الذي تحمل بما نقص من الرهن أن يؤخر عنه ذلك الشهرين الذين ضرب السلطان.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات، وهي مسألة ضعيفة؛ لأنه ضمن الحميل ما تقص عن حقه. وهو إنما ضمن ما نقص من رهنه.
وقد مضى القول على هذا المعنى مستوفى في أول رسم من السماع فلا معنى لإعادته. وستأتي هذه المسألة في نوازل أصبغ بزيادة معنى سنتكلم عليه إذا مررنا به- إن شاء الله- وبالله التوفيق.

.مسألة رهن رجلا جارية إلى أجل وهو معسر فأيسر صاحب الجارية:

وسئل مالك عن رجل رهن رجلا جارية إلى أجل، وهو معسر، فأيسر صاحب الجارية، فقال لصاحب دينه: أنا أعطيك رهنا من هذه الجارية: أصلا أو دارا أو ما أشبهه، وادفع إلي الجارية، فإني أريد أن أبيعها، فإنها ليست لي بموافقة، فقال: ليس ذلك إلا برضى صاحب الحق. قيل له: فإنه باعها. قال: إن كان باعها رأيت أن يعطى المرتهن الثمن في حقه، حل الأجل أو لم يحل، ويمضي عليه البيع.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه ليس للراهن أن يعوض المرتهن من الرهن الذي رهنه إياه برهن آخر إلا بإذنه ورضاه، بين صحيح لا إشكال فيه؛ لأنه قد تعين له حق في عينه، فهو يقول: لا يخرج من يدي بعوض سواه، وإن كانت قيمته أكثر؛ لأني أخشى أن يستحق العوض من يدي وأنا أعني في بيعه إن كان أصلا لا يباع إلا بعد التقصي في طلب الزيادة فيه. وقوله: إن الراهن إذا باع الرهن يريد بغير إذن المرتهن يعطي المرتهن الثمن في حقه، حل الأجل أو لم يحل، ويمضي عليه البيع، نص في أنه لا خيار له في أن يفسخ البيع، ومعناه: إذا باعه بمثل حقه فأكثر؛ إذ لا منفعة له في نقص البيع، بل فيه ضرر عليه وعلى الراهن، وأما إن باعه بأقل من حقه، فله أن ينقض البيع، ويبقى له رهنا بحاله؛ لأنه يقول: أنا أرجو أن ترتفع أسواقه إلى وقت بيعه عند حلول الأجل، أو ينمو إلى ذلك إن كان حيوانا، وأما ما وقع في المدونة من قوله: إن البيع لا يجوز إلا أن يجيزه المرتهن، معناه. إذا باعه بأقل من حقه، أو كان الدين عرضا؛ إذ لا يلزمه قبض العرض قبل حلوله، إلا أن يكون... ولو كان الرهن عينا، فباع الراهن الرهن بعرض، لكان المرتهن بالخيار، بين أن يرد البيع أو يجيزه، فيوقف له العرض رهنا إلى حلول الأجل، فليس ما في المدونة بخلاف لهذه الرواية على ما تأولناه فيهما وذهب أشهب إلى أن بيع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن إذا لم يجز بيعه بمنزلة عتقه، يعجل للمرتهن حقه من ثمن الرهن إن كان فيه وفاء أو من مال الراهن إن لم يكن فيه وفاء، ويمضي البيع، ولا يكون للمرتهن خيار في رده إذا تمسك به أحد المتبايعين، وإن لم يكن في ثمنه وفاء بحقه، إذا كان للراهن مال يفي بما نقص من حقه، وإن أجاز بيعه بقي دينه إلى أجله، ووقف له الثمن رهنا إلا أن يأتي الراهن برهن ثقة يشبه الرهن الذي باع. وذهب سحنون إلى أنه إن لم يأت برهن يشبه الرهن الذي باع، عجل له الثمن، إذ لا فائدة في توقيفه، وهو ظاهر ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة في مسألة النصراني يرهن عبده بعد أن يسلم؛ لأنه قال فيها: يباع فيقضي الغريم دينه، إلا أن يأتي برهن ثقة، وكذلك روى ابن وهب والحكم عن مالك، أنه يعجل الثمن إذا لم يأت برهن، خلاف قوله في كتاب الرهون من المدونة. قاله فيها في الراهن يبيع الرهن بإذن المرتهن، فقال: لم آذن له في بيعه ليأخذ الثمن، لا فرق بين أن يبيعه بإذنه أو بغير إذنه، فيجيز البيع، وبالله التوفيق.

.مسألة دفع إلى رجل رهنا ثم قضاه ثم جاء صاحب الدين بعد ذلك يدعي أنه أعطاه الرهن:

ومن كتاب الشريكين يكون لهما مال:
قال: وقال مالك في رجل دفع إلى رجل رهنا ثم إنه قضاه، ودفع إليه رهنه، ثم جاء صاحب الدين بعد ذلك، يدعي أنه أعطاه الرهن، وأنه لم يوفه حقه كله، وقد أعطاه بعضه. قال مالك: أرى أن يحلف الراهن، ويسقط عنه ما ادعاه عليه الذي أسلفه.
قال محمد بن رشد: وكذلك لو أنكر المرتهن أن يكون قبض منه شيئا من حقه، وقال: دفعت إليه الرهن على أن يأتيني بحقه، فلم يفعل، لكان القول قول الراهن على هذه الرواية، خلاف ما في نوازل سحنون بعد هذا من أن القول قول المرتهن إذا كان قيامه عليه بالقرب، ولا اختلاف بينهم إذا طال الأمر، إن القول قول الراهن، إذ لا فرق بين اختلافهما في جميع الحق أو في بعضه، ولكلا القولين وجه، والاختلاف في هذا جار عندي على اختلاف قول مالك في المتبايعين يختلفان في الثمن بعد قبض السلعة، فقول مالك هذا على قياس رواية ابن وهب عن مالك: إن القول قول المشتري في الثمن إذا قبض السلعة، وهذا القول أظهر؛ لأن القبض باب من الأيمان. قال الله عز وجل: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] وقول سحنون في نوازله على قياس رواية ابن القاسم عن مالك إنهما يتحالفان ويتفاسخان، وإن قبض المشتري السلعة، وهو على خلاف أصله في نوازله من كتاب جامع البيوع، لاختياره فيها رواية ابن وهب، على رواية ابن القاسم. وقد روى ابن القاسم عنه الروايتين جميعا. ولو لم يقر المرتهن بدفع الرهن إلى الراهن، وادعى أنه تلف له، فسقط إليه، لكان القول قوله قولا واحدا إذا كان قيامه عليه بالقرب. وقد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب المديان، بيان هذا مع نظائر لها هناك. وبالله التوفيق.

.مسألة تسلف من امرأته سلفا ورهنها جارية كانت تخدمها:

وقال مالك في رجل تسلف من امرأته سلفا ورهنها جارية كانت تخدمها، هل يكون ذلك حيازة للرهن أو قبضا له؟ قال: أحب إلي أن لو جعلها بين غيرها.
قال محمد بن رشد: قوله: أحب إلي أن لو جعلها بين غيرها، تضعيف منه لحيازتها إياها عنه، لكونها معه في منزل واحد، وهو نحو ما يأتي في سماع أصبغ من هذا الكتاب، خلاف قول ابن وهب في سماع زونان وخلاف قول سحنون في آخر سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وكذلك اختلف أيضا إذا تصدق عليها بها أو وهبها وهي معها تخدمها، هل تصح حيازتها لها عنه أم لا؟ على قولين فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك جائز في الرهن والصدقة، وهو قول سحنون في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات؛ لأنه إذا رأى الحيازة عاملة في الرهن، فأحرى أن يراها عاملة في الصدقة. والثاني أن ذلك غير جائز فيهما جميعا وهو قول مالك في هذه الرواية، وقوله في سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات؛ لأنه إذا ضعف الحيازة في الصدقة، فأحرى أن يضعفها في الرهن. والثالث الفرق بين الصدقة، والرهن، وهو قول ابن القاسم في سماع أصبغ بعد هذا من هذا الكتاب، وكذلك لو تصدقت هي بالخادم التي تخدمها على زوجها، أو رهنته إياها، بدليل ما وقع في سماع أشهب، من كتاب الصدقات والهبات، من استدلاله بهبتها له، على هبته لها؛ لأن أيديهما جميعا على الخادم، فمرة غلب يده، ومرة غلب يدها، والأظهر أن تغلب يده، فيفرق بين أن يكون هو الذي وهبها أو رهنها، أو تكون هي التي وهبتها ورهنته لأن يده أقوى من يدها، بدليل أنه يختلف قول مالك وابن القاسم، في أن القول قول الزوج إذا اختلفا في متاع البيت، وهو مما يكون للرجال والنساء. وقد قيل: إنه لا يد لها مع الزوج، والقول قوله إذا اختلفا في متاع البيت، وإن كان ذلك من متاع النساء. وبالله التوفيق.

.مسألة ارتهن في حقه مصفحا أو كتبا ثم احتاج أن يقرأ فيها:

وقال مالك في رجل ارتهن في حقه مصفحا أو كتبا فيها علم، أو سلاحا، ثم احتاج أن يقرأ في المصحف أو الكتاب، أو نزل به عدو، فاحتاج إلى السلاح، فقال: لا ينتفع بشيء من الرهن.
قال الإمام القاضي هذه الرواية تدل على جواز بيع كتب العلم، خلاف ما في المدونة من أنه كره بيعها، إذ لا يصح أن يرهن ما لا يجوز بيعه بحال، وهو قد أجاز رهنها، إذ لم يمنع إلا من الانتفاع بها بعد رهنها. وقوله: ثم احتاج أن يقرأ في المصحف أو في الكتب، أو يقاتل بالسلاح، ثم احتاج الراهن إلى ذلك، فقال: إنه لا ينتفع بشيء من الرهن، ولم يبين إن فعل، هل يبطل الرهن بذلك أم لا؟ وفي هذا تفصيل. أما المصحف والكتب، فإن قرأ فيها عند المرتهن دون أن يخرجها من يده، فلا يبطل الرهن فيها بذلك أذن فيها المرتهن أو لم يأذن، إلا أن يكون رهنه إياها على ذلك، وأما إن أخذها من عنده، فقرأ فيها عند نفسه، فإن كان بغير إذن المرتهن لم يبطل الرهن بذلك، وإن كان بإذنه كان ذلك حكم المرتهن لغير الرهن إن قام عليه الغرماء قبل أن يرده كان إسوة الغرماء.
واختلف هل من حقه أن يرده إليه رهنا كما كان أم لا؟ فقيل: ذلك من حقه، وهو قول أشهب في كتبه، وقيل: ليس ذلك من حقه، إلا أن يكون أعاره على ذلك، وهو قول ابن القاسم في المدونة في رسم العتق من سماع عيسى بعد هذا. وقول أشهب أظهر؛ لأن من حكم العارية أن ترجع إلى المعير بعد انقضاء أمد العارية إن كان لها أمد، أو بعد أن يمضي من المدة ما يرى أنه أعارها إليه إن لم يكن لها أمد، فإذا رجعت إليه على مذهب أشهب الذي يوجب صرفها إليه، كانت رهنا على حالها الأول.
واختلف إن ردها إليه باختياره على القول بأنه لا يجب عليه ردها، هل يكون رهنا أم لا؟ على قولين: أحدهما أنها لا تكون رهنا، وهو قول مالك في رسم العتق بعد هذا من سماع عيسى. والثاني ألا تكون رهنا على حالها الأول، وهو قول ابن القاسم فيه. والاختلاف في هذا يرجع إلى اختلافهم في الرهن، هل تفتقر صحته إلى التصريح به أم لا؟ فيفتقر إليه على قول مالك هذا. وقول ابن القاسم في المدونة: إن المرتهن لا يكون أحق بما أنفق على الرهن من الغرماء، وإن قال له الراهن: أنفق على أن نفقتك في الرهن حتى يقول له: أنفق على أن نفقتك الرهن بها أيضا، ولا تفتقر إليه على قول ابن القاسم ها هنا وقد مضى القول على هذا المعنى في أول سماع أبي زيد، من كتاب المديان والتفليس وحكم السلاح يقاتل به إلى الراهن حكم الكتب، يقرأ فيها عند نفسه على ما ذكرناه.
وأما انتفاع المرتهن بالرهن فلا يجوز بغير إذن الراهن، ويجوز بإذنه إذا كان ذلك شرطا في أصل البيع في الدور والأرضين باتفاق. وفي الحيوان والثياب على اختلاف، ولا يجوز ذلك بعد عقد البيع ولا في السلف بحال.
وهذا كله منصوص عليه في المدونة وبالله التوفيق.

.مسألة رجل أوصى عند موته أن متاعا كذا وكذا لفلان عندي ولم يسم الثمن:

ومن كتاب صلى نهارا:
وسئل عن رجل أوصى عند موته أن متاعا كذا وكذا لفلان عندي ولم يسم الثمن الذي رهنه به عنده، فسئل صاحب المتاع فقال: صدق، متاعي عنده رهن بكذا وكذا عشرة دنانير، وقد قضيته خمسة دنانير من ذلك، فقال مالك الرهن: يسوى ذلك، قال: نعم، الرهن يسوى أكثر من ذلك. قال: لا يصدق فيما قال: إني دفعت إليه، ولكن يأخذه حتى يدفع إليه العشرة دنانير، ثم قال: أرأيت لو قال قضيته إياها أكان يصدق؟ إنما كانت على الميت يمين. وقد ذهب، وسقطت عنه اليمين حين مات، قيل له: أيحلف الورثة أن أباهم لم يقبض الخمسة؟ قال مالك: إن كان فيهم من يتهم أنه يعلم ذلك أحلف.
قال محمد بن رشد: سؤال مالك في هذه المسألة السائل، هل يسوى الرهن ما زعم الراهن أنه رهنه به أم لا؟ لا تأثير له في حكم المسألة؛ لأنه قد أقر أنه رهنه بعشرة، فسواء كان الرهن يساوي عشرة أو لا يساويها لا يصدق فيما زعم أنه قضاه منها.
وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في أول رسم شك في طوافه الثاني قبل هذا فلا معنى لإعادته. وقوله: إن كان فيهم من يتهم أنه يعلم ذلك أحلف, هذا على القول بلحوق يمين التهمة دون تحقيق الدعوى. والقولان قائمان من المدونة من كتاب النكاح والغرر والسرقة. وبالله التوفيق.

.مسألة يهلك وعنده رهن لرجل فيقول صاحب الرهن هو رهن في دينار:

قال سحنون: وسألت أشهب عن رجل يهلك، وعنده رهن لرجل، فيقول صاحب الرهن: إنما هو رهن في دينار، وقيمته عشرة دنانير. قال: إن لم يكن أحد يدعي فيه شيئا ولا يعرف إلا بقول الراهن أحلف وأخذ رهنه، فقلت له: فإن كان في عشرة دنانير، وقد قبضت خمسة وبقيت خمسة، قال: أراه ضامنا لعشرة، وأرى على الورثة إن كان فيهم أحد بالغ يرى أن مثله يعلم ما قال الراهن، فاليمين عليه أنه لا يعلم أن أباه اقتضى شيئا، وأما من كان غائبا أو صغيرا فلا يمين عليهم.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة والتي قبلها سواء. وقد مضى القول فيهما وبالله التوفيق. اللهم لطفك.

.مسألة ترك رهنا رأسا وهلك ولم يكن مال يكفن فيه:

ومن كتاب اغتسل على غير نية:
وفي رجل ترك رهنا رأسا وهلك، ولم يكن مال يكفن فيه هل ترى أن يؤخذ من ثمن الغلام ما يكفن به، أم الرهن أولى؟ قال: أرى أولى من الكفن.
قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب المديان والتفليس، ومن كتاب الجنائز. ومضى القول عليها في كتاب الجنائز، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة ارتهن بدين له على رجل عبدا له بعينه ووضعه على يدي ابنه:

من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الأقضية قال سحنون: قال لي ابن نافع وأشهب: سئل مالك عمن ارتهن بدين له على رجل عبدا له بعينه ووضعه على يدي ابنه وضمن له ابنه دينه، والابن مع أبيه في منزله، فوثب علي الغرماء يريدون محاصتي، فقال له: رهنك ضعيف، وابنه معه في المنزل، والعبد يخدمه، فهم يقولون: لم تحز رهنك، فإن كان ابنه الذي تحمل لك هذا ليس مولى عليه، فهو ضامن لما خس من حقك، إن دخل عليه الغرماء في العبد فذلك لك عليه، وإنما تكتب الحمالات في الرهون مخافة مثل هذا، فأنا أرى ذلك عليه إن لم يكن مولى عليه، فقال له: إن الابن يقول: إنما تحملت لك، وبيدي العبد، فهذا العبد أنا أدفعه إليك وأسلمه بيدك، فقال مالك: ليس ذلك له، وهو لما خس من حقك ضامن.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أن الابن ضامن لما نقص من حقه إذا دخل عليه الغرماء في الرهن، من أجل أنه ضمن دينه وفرط في الرهن إذا لم يجزه عن أبيه الراهن له. وبالله التوفيق.

.مسألة رهن الأمة الحامل:

وسئل عن الأمة الحامل ترهن، أيجوز أن يشترط، فيقول: ليس ولدها معها في الرهن؟ قال: لا يجوز ذلك لأحد.
قال محمد بن رشد؛ رأيت لبعض أهل النظر، أنه قال: إنما لم يجز أن يستثنى الولد في الرهن؛ لأنه لا يجوز أن يستثنى في البيع، وليس ذلك ببين؛ لأن الأمة الحامل، إنما لم يجز له أن يستثني جنينها لأنه يصير مشتريا للجنين بما وضع من ثمن الأم، فكأنه باع الأمة بالثمن الذي سما فيها وبالجنين الذي اشترطه، فصار بائعا للأمة، مبتاعا للجنين في صفقة واحدة، وهذا بين على القول بأن المستثنى مشترى، وأما على القول بأنه مبقى على ملك البائع، فلا علة في ذلك تفسره، وعلى هذا أجازه من أجازه من أهل العلم.
وهذا لا يدخل. في الرهن؛ لأن الأمة وجنينها باقيان على ملكه، وإن رهن أحدهما دون الآخر؛ لأنه لما لم يجز أن يرهن الجنين دون أمه ابتاعها على غير قياس، لم يجز أن ترهن الأم دون الجنين استحسانا أيضا دون قياس. فهذا وجه المنع من رهن الأمة دون جنينها. ولقد كان القياس أن يجوز رهن كل واحد منهما دون الآخر قياسا على جواز رهن الثمرة التي لم تؤبر دون الأصل، ورهن الأصل دونها، وإن كان ذلك لا يجوز في البيع؛ لأنه غرر، فلا يدخل على التحقيق في رهن الأمة دون جنينها، إلا ما يدخل في رهن الأمة لها الولد الصغير، دون ولدها عند من كره ذلك، فينبغي أن يدخل في رهن الأمة دون جنينها الذي في بطنها، ذلك الاختلاف. وقد مضى تحصيله في رسم شك في طوافه الثاني فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة له عليه دين وارتهن منه حائطا له وأحلف بالطلاق ليوفينه الثمن إلى أجل:

وسئل عمن له على رجل دين، وارتهن منه حائطا له، وأحلف بالطلاق ليوفينه الثمن إلى أجل سماه له، فلما دنا الأجل وخاف الحنث، باعه تلك النخل التي ارتهنه إياها بذلك الدين، ثم قال له: إنما بعته حين خفت الحنث، وأنا أظنه سيرد علي مالي وأقضيه حقه، وقال المشتري: ابتعت منك بالشهود والبينة، فقال مالك: أرأيت هذا الذي يطلب رد هذا الحائط عليه، أطيب النفس بالحنث؟ فقيل له: نعم، فقال: إن كان هذا المال مالا رابحا كثير الفضل على ما باعه إياه، لا يشبه تغابن الناس في البيوع، فأرى أن يرد عليه ماله الذي باع، ويقضيه دينه، ويقع عليه الحنث.
قال الإمام القاضي: اعترض ابن دحون هذه المسألة فقال فيها:
إنها مسألة ضعيفة، كيف يفسخ البيع للغبن، وذلك جائز بين كل متبايعين، إلا من خصته السنة بالرد؟ لو اشترى رجل من غير مولى عليه ما يساوي مائة درهم بدرهم، لزم ذلك ولم يفسخ، ولم يختلف في ذلك. وقد مضى القول في توجيهها وما يتعلق بها في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة توفي وترك رهونا لا يعرف أصحابها ولا يدرى كم فيها:

وسئل عمن توفي وترك رهونا لا يعرف أصحابها، ولا يدرى كم فيها؟ ولذلك زمان، قال: أرى أن تباع هذه الرهون، ثم يحبس ثمنها سنة أو نحوها ينتظر الخبر، وأن يعرف أصحابها، قيل له: سنة، قال: ليس في ذلك وقت ينتظر فيهم إلا قدر ما يرى، فإن لم يأت لها طالب يستحقها، قبضها الغرماء في حقوقهم، فإن جاء بعد ذلك طالب يستحق شيئا رجع على الغرماء.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة؛ لأن المعنى فيها أنه قد علم أنها رهون ببينة أو بإقرار الورثة بذلك، وإنما يباع ويوقف أثمانها إذا كان لذلك وجه، مثل أن يخشى الفساد عليها وما أشبه ذلك، وأما إن لم يخش الفساد عليها، فتوقيفها أولى من توقيف أثمانها، إذ قد يحتاج إلى الشهادة على أعيانها، ويريد من استحق منها شيئا متاعه بعينه، وإذا بيعت ووقفت أثمانها فتكتب صفاتها، فإن جاء من يدعي شيئا منها فعجزعن إقامة البينة عليه ووصفه، استحقه بيمينه على الصفة، فأخذه وودى ما أقر أنه رهنه به مع يمينه على ذلك أيضا. وبالله التوفيق.

.مسألة غريم لم يكن فيمن علم به الابن من غرماء أبيه وكان الابن قد دفع إليه مال أبيه:

قيل له: أرأيت إن جاء غريم لم يكن فيمن علم به الابن من غرماء أبيه، وكان الابن قد دفع إليه مال أبيه، وتحمل بما على أبيه من دين أيغرمه له الابن؟ فإنه يقول: لم أعلم أن هذا عليه، وإنما تحملت بما علمت، قال مالك: إن جاء غريم لم يكن الابن علم به، فإن الغريم يأخذ ماله على أبيه من ابنه؛ لأنه قد رضي بذلك.
قال الإمام القاضي هذه مسألة مقطوعة، وأصلها في رسم البيوع من سماع أشهب من كتاب المديان والتفليس، وفي رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم منه. وقد غمزت إن كانت التركة عينا والدين عينا، فقيل كيف يجوز للابن أن يسلم إليه عينا ليؤدي عينا أكثر منه إلى وقت، أو يؤدي ذهبا وقد أخذ فضة، أو فضة وقد أخذ ذهبا؟ وقد بينا هذه المسألة في الموضعين المذكورين من كتاب المديان بيانا شافيا، وبينا منه قول مالك فيها بيانا لائحا، ينفي اعتراض المعترض عليه فيها. وبالله التوفيق.

.مسألة ارتهن حائطا فأصابت الريح نخلا فطرحتها فأراد صاحب الأصل بيع الخشب:

ومن كتاب الأقضية الثاني:
قال: وسئل عمن ارتهن أصل حائط، فأصابت الريح نخلا فطرحتها، فأراد صاحب الأصل أن يبيع الخشب، فمنعه صاحب الرهن، وقال: هي من رهني، فقال: ذلك له، وقد صدق فأرى أن تباع ويوضع الثمن على يدي عدل حتى يحل حقه فيقضيه؛ لأن من الخشب ما إن ترك فسد. قلت: أرأيت إن كان خشبا لا يفسد إلى حلول الأجل؟ قال: إن كان من الخشب ما إن ترك فسد.
قلت: أرأيت أن يترك ولا يباع حتى يحل الحق، إلا أن يجتمع رأي صاحب المال وصاحب الأصل جميعا على البيع، فيباع ويوضع الثمن على يدي عدل إلى الأجل، فإن لم يجتمع رأيهما على ذلك، ترك دينا ولم يبع حتى يحل الأجل.
قال الإمام القاضي: قوله: إن القول قول المرتهن في أن النخل من الرهن، وقد صدق، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن النخل تبع للأصل في الرهن، بمنزلة البيع، إذا باعه الأصل دخل فيه النخل، كذا قال في المدونة: إن النخل تبع للأصل والأصل تبع للنخل، وكذلك قوله: إنه يباع إذا خشي عليه الفساد صحيح، لا اختلاف فيه؛ لأن تركه حتى يفسد، من إضاعة المال المنهي عنه، فمن دعا إلى ذلك منهما، كان ذلك له، بخلاف إذا لم يخش عليه الفساد، لا يباع إلا أن يجتمع رأيهما على ذلك، بخلاف المتقارضين يختلفان في بيع سلع القراض. إن الإمام ينظر في ذلك، وإنما قال: إن الثمن يوضع على يدي عدل، وإن كان الأصل بيد المرتهن؛ لأن من حق الراهن أن يقول: أنا لا أئتمنه على الثمن، وإن كنت أئتمنته على الأصل، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي يدخل في الرهن إذا أراد المرتهن أن يكون في يديه وأبى ذلك الراهن، على ما يأتي القول قيه في رسم الصلاة من سماع يحيى. وأما قوله: إنه يكون على يدي العدل حتى يحل الأجل، فمعناه إلا أن يأتي الراهن برهن مثله، فيكون من حقه أن يأخذ الثمن، فإن لم يأت برهن مثله ففي ذلك اختلاف. قيل: إن الثمن يوقف إلى الأجل، وهو قوله ها هنا، وقوله في المدونة في الرهن يبيعه الراهن بإذن المرتهن، إذ لا فرق بين أن يبيعه بإذنه، أو يبيعه بوجه نظر، يحكم له به عليه وقيل: إنه يعجل له حقه، إذ لا فائدة في تأخيره، وهو قول سحنون. ودليل ما في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة وقول مالك في رسم الأقضية الثالث بعد هذا من هذا السماع، وقول أشهب في سماع أصبغ من كتاب الخدمة، وأما إن باعه بغير إذنه، فلا اختلاف في أنه يعجل له حقه إذا كان فيه وفاء، واختلف إذا لم يكن فيه وفاء، فقيل إنه يعجل له بقية حقه من ماله، بمنزلة العتق، وهو قول أشهب، وقيل: إنه لا يقضي بقية حقه حتى يحل الأجل.
وقد مضى هذا المعنى في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق.

.مسألة الأمة ترهن ولها ولد صغير بغير ولدها:

ومن كتاب الأقضية الثالث:
وسئل عن الأمة ترهن، ولها ولد صغير، بغير ولدها، أجائز هو؟ قال: نعم ذلك الرهن جائز، وقد ترهن الوليدة ولها أولاد صغار يبيعونه فيكون الرهن جائزا، فإذا بيعت الوليدة في الرهن، بيع معها ولدها، فكان له في رهنه ثمن الوليدة، ولم يكن له ثمن أولادها في الرهن، إلا أن يفضل فضل عن ثمن الوليدة، فيكون أسوة الغرماء في ثمنهم. قيل له: ترى الرهن ماضيا. وإذا بيعت الأم بيع أولادها معها، فقال: نعم إلا أن يشتريها سيد ولدها، قلت له: إنما فلس، قال: تباع بولدها، ثم يكون ثمنها للمرتهن في حقه.
قال محمد بن رشد: أجاز مالك في هذه الرواية أن يرهن الرجل الرجل أمته، ولها ولد صغير، يريد ويكون الولد معها في حوز المرتهن، وكره ذلك في سماع يحيى. وقد مضى القول على ذلك في آخر رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، إذ لا فرق بين الولد دون الأم أو الأم دون الولد. وقوله في آخر المسألة إلا أن يشتريها سيد ولدها، لا يستقيم على المسألة التي ذكر، وهو أن تكون الأمة وولدها للراهن الذي عليه الدين، بدليل قوله فيها: إلا أن يفضل فضل عن ثمن الوليدة، فيكون أسوة الغرماء في ثمنهم؛ لأنها لم تخرج عن ملكه والدين عليه، وكيف يشتريها؟ وإنما يبيعها مع ولدها فيما عليه من الدين، أو تباع عليه مع ولدها في التفليس، فيكون أحق من الغرماء بما ناب الأم، فإن فضل من دينه فضل عما ناب الأم، كان أسوة الغرماء فيما ناب الولد. وإنما يستقيم على وجهين: أحدهما أن تكون الأمة وولدها لغير الذي عليه الدين، فيرهن الأم منها دون الولد، عند الذي له الدين، عن الذي عليه الدين؛ لأن الحكم في ذلك إذا حل الأجل أن تباع الجارية مع ولدها، فيكون للمرتهن ما ناب الأم من الثمن، وللراهن ما ناب الولد منه إلا أن يشاء أن يأخذها بما ينوبها مما يعطى فيها مع ولدها، فيكون ذلك له، وتبقى الجارية على ملكه مع ولدها، ويدفع ما ناب الأم من الثمن إلى المرتهن، ويتبع به الذي عليه الدين والوجه الثاني، أن يكون الولد لغير الراهن الذي عليه بهبة أو صدقة، مثل أن يكون لرجل فيهب أحدهما لرجل، أو يهب الأم لرجل، والولد لآخر؛ لأن الحكم في ذلك أن يقرا على ما هما عليه من افتراق الملك، ويقضى عليهما بأن يجمعا بينهما في حوز واحد، فإن رهن صاحب الأمة الأمة فيما عليه من الدين، جاز ذلك، وحاز المرتهن الأمة مع ولدها إن رضي بذلك سيد الولد، وإن لم يرض بذلك كانت الأم عنده مع ولدها، فكان من ذلك حائزا للمرتهن، فإذا حل الأجل بيعت الجارية مع ولدها من رجل واحد، فكان ما ناب الأم للمرتهن، وما ناب الولد لصاحبه، إلا أن يشتري الأم سيد الولد على ما قال، وبالله التوفيق.